
قال الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار إن التقرير الأخير حول الفساد في موريتانيا لا يمثل حدثًا عابرًا في الحياة الوطنية، بل يشكّل بداية لمرحلة فاصلة في مسار الدولة، تختبر صدقية مؤسساتها وجدية نخبها في مواجهة الفساد وبناء مشروع وطني جديد.
وأوضح ولد بكار، في مقال تحليلي، أن ما بعد التقرير يمثل تحولًا سياسيًا واجتماعيًا عميقًا، لكنه يواجه تحديات كبيرة، أبرزها طبيعة المجتمع بقِيَمه الاستهلاكية وثقافة التفاهة السائدة بين الشباب والنساء، إلى جانب هيمنة النخب التقليدية من جنرالات وإداريين وشيوخ قبائل وصحافة مأجورة، إضافة إلى نخبة المال المتعطشة للنفوذ.
وأشار إلى أن النمط السياسي السائد جعل من المال معيارًا وحيدًا للنجاح، في ظل معارضة تفتقر إلى مشروع وطني جامع، مما يؤدي إلى إضعاف الجبهة الداخلية وإرباك المشهد العام.
وأكد ولد بكار أن المرحلة الجديدة ستطال بنية النظام العام بأكملها، متسائلًا: "من سيكون روّاد هذا التحول وجيشه الفاعل؟"، مشددًا على أن الخطوة الأولى نحو الإصلاح يجب أن تبدأ بالممكن والمتاح، في إطار عملية وطنية جماعية متدرجة.
وأضاف أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ليس ثوريًا أو راديكاليًا، لكنه يتبنى الأفكار القادرة على دفع البلد إلى الأمام إذا ما حظيت بالدعم والمساندة، داعيًا إلى تشكيل قوة وطنية من الرأي العام والنخب لدعم توجهاته الإصلاحية.
وفي هذا السياق، دعا ولد بكار إلى بناء ثلاث جبهات أساسية لضمان نجاح المرحلة الجديدة:
الجبهة السياسية: تقوية الحزب الحاكم ومنحه صلاحيات حقيقية لقيادة التعبئة السياسية ومحاربة الفساد وترسيخ ثقافة الانضباط والنزاهة.
الجبهة الإعلامية: تأسيس ذراع إعلامي قوي وفاعل قادر على مواجهة التضليل، وتصحيح المفاهيم، ونشر خطاب السلم والوعي الوطني.
جبهة المؤسسات: تطهير أجهزة القرار والتنفيذ من المعارضين لمسار الإصلاح، وضبط التعيينات وفق معايير الكفاءة والروح الوطنية، وتوحيد رؤية مؤسسات الدولة لتحقيق الانسجام في التنفيذ.
وختم ولد بكار تحليله بالقول إن الإصلاح لا يُصنع بالبيانات والعقوبات وحدها، بل بالتنظيم والتكامل والصرامة في الأداء، داعيًا إلى اندماج جميع القوى الوطنية في مشروع إصلاحي جامع يعيد للدولة هيبتها ومكانتها.
